توقعات الذهب اليوم: هل يستمر الارتفاع أم تلوح مخاطر تصحيحية في الأفق؟

المشهد الفني: تذبذب محوري قبل تحديد المسار

يتحرك الذهب حالياً في منطقة حساسة تعكس حالة عدم تيقن واضحة في السوق. فعلى الإطار الزمني للساعتين، يحافظ المعدن على اتجاهه الصاعد منذ بداية نوفمبر، لكن التقارب بين مؤشري MACD والحركة المتسطحة للسعر حول 4,182.5 دولار توحي بأن السوق يتنفس قبل القفزة التالية.

يشكل خط الاتجاه الصاعد الممتد من أواخر أكتوبر حاجزاً دفاعياً قوياً، حيث يوفر دعماً ديناميكياً يتراوح بين 4,120 و4,140 دولار. وينضم إلى هذا الدعم المستويات الأفقية عند 4,138.242 و4,116.496 دولار، مما يخلق منطقة دعم مزدوجة لا يمكن كسرها بسهولة دون إشارات انعكاسية قوية.

مؤشر القوة النسبية RSI يتراجع تدريجياً من منطقة التشبع الشرائي، محتلاً الآن المنطقة المحايدة بين 40 و60، مما يعني أن الزخم الصعودي يفقد بعض حدته دون أن يشير إلى ضغط بيعي حاد. هذا يرجح سيناريو التداول الجانبي قصير الأجل قبل اختراق قادم.

البيانات الاقتصادية تحجب الرؤية

تسيطر حالة من عدم اليقين على أسواق المعادن بفعل الترقب الشديد لقرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الذي ينطلق على مدى يومين. وفقاً لأداة CME FedWatch، يتوقع المتداولون خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس إلى نطاق 3.50%-3.75% باحتمالية 90% - قفزة واضحة من نسبة 66% في نوفمبر الماضي.

لكن هذا التوافق السطحي يخفي انقسامات حقيقية داخل صفوف صناع السياسة. التضخم الأمريكي لا يزال أعلى من الهدف البالغ 2%، مما يخلق معضلة للفيدرالي بين دعم سوق العمل من جهة وكبح الأسعار من جهة أخرى. إذا جاءت نبرة الفيدرالي محتفظة، فقد يكون الذهب أمام تصحيح مؤلم.

على جانب آخر، تراجعت ثقة المستهلك الأمريكي في نوفمبر وفقاً لبيانات بنك الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك، رغم استقرار توقعات التضخم. هذا الضعف في الثقة يعتبر دعماً إضافياً للملاذات الآمنة مثل الذهب، خاصة أن المسح أظهر ارتفاع التوقعات المتعلقة بتكاليف الرعاية الطبية إلى 10.1% - أعلى قراءة منذ يناير 2014.

الأداء السعري العالمي: تراجع محدود

انخفضت أسعار الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.2% إلى 4,189.49 دولار للأونصة، بينما تراجعت العقود الآجلة الأمريكية تسليم فبراير 0.6% إلى 4,217.7 دولار. هذا التراجع يأتي بعد موجة مكاسب قوية اقتربت من مستويات قياسية، حيث لامس السعر 4,223.25 دولار في آخر التحديثات.

أما عقود ديسمبر 2025 فهبطت إلى 4,202.70 دولار بانخفاض 0.4% تحت ضغط ارتفاع عوائد السندات الأمريكية، مما يعكس الصراع بين عاملين معاكسين في تحريك الذهب الآن.

الخريطة السعرية الإقليمية

في السعودية، استقر الوضع نسبياً حيث بلغ سعر جرام الذهب عيار 24 نحو 520 ريالاً، مع سعر الأونصة قرب 15,775.73 ريالاً بانخفاض طفيف بلغ 0.31%. العيارات الأخرى سجلت: عيار 22 عند 478 ريالاً، وعيار 18 عند 391 ريالاً.

في دولة الإمارات، بقي سعر جرام عيار 24 مستقراً عند 506.25 درهماً للبيع، بينما سجل جرام عيار 22 نحو 468.75 درهماً، وعيار 21 عند 449.50 درهماً. الأونصة انخفضت بنسبة 0.31% إلى حوالي 15,435.95 درهماً.

على الجانب المصري، بقيت الأسعار مستقرة حيث سجل جرام عيار 24 نحو 6,400 جنيه، بينما جاء عيار 21 عند 5,600 جنيه وعيار 18 عند 4,800 جنيه. الجنيه الذهب ظل قرب 44,800 جنيه في ظل تداولات هادئة.

في الأردن، بلغ جرام عيار 24 نحو 95.600 دينار وعيار 22 عند 87.600 دينار، بينما استقرت الأونصة قرب 2,972.500 دينار مع تحركات محدودة. أما الكويت فشهدت تراجعاً طفيفاً بنسبة 0.31% لتستقر أونصة الذهب عند 1,290.567 دينار، مع بقاء جرام عيار 24 حول 41.44 دينار.

تباين في سوق المعادن الثمينة

بينما انخفضت الفضة بنسبة 0.5% إلى 57.98 دولار بعد أن لامست مستوى قياسياً بلغ 59.32 دولار يوم الجمعة، يؤكد محللون أن الفضة قادت حركة سوق المعادن مؤخراً بطريقة نادرة. التوقعات تشير إلى إمكانية تجاوز السعر 60 دولاراً بل الوصول إلى 70 دولاراً قبل نهاية العام بفضل الطلب القوي.

البلاتين انخفض طفيفاً بنسبة 0.1% إلى 1,644.31 دولار، بينما ارتفع البلاديوم بنسبة 0.2% إلى 1,460.75 دولار، مما يعكس حركة متباينة تميز سوق المعادن الثمينة حالياً.

العوامل التي تحرك الأسواق

تراجعت أسهم وول ستريت أمس، حيث هبط مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 0.35% إلى 6,846.51 نقطة، وناسداك بنسبة 0.14% إلى 23,545.90 نقطة، وداو جونز بنسبة 0.45% إلى 47,739.32 نقطة. هذا التراجع حدث رغم توقعات خفض الفائدة، مما يعكس قلقاً متزايداً بشأن استمرار ضغوط التضخم في عام 2026.

ارتفاع عوائد السندات الأمريكية لأجل 10 سنوات يمثل رياح معاكسة للذهب، حيث يرفع تكلفة الفرصة للاحتفاظ بالمعدن غير المدر للعائد. هذا الارتفاع يشير إلى أن السوق لا يزال متخوفاً من أن يكون الفيدرالي أقل تيسيراً مما هو متوقع.

المخاطر الجيوسياسية تدعم الملاذات الآمنة

أظهر القادة الأوروبيون من فرنسا وألمانيا وبريطانيا دعماً قوياً للرئيس الأوكراني زيلينسكي في اجتماع لندن، مؤكدين على لحظة “حاسمة” للقضية الأوكرانية. في الوقت ذاته، تزايد الضغط الأمريكي على كييف للقبول باتفاقية سلام مع روسيا، وهو ما يعقد المشهد الأوروبي ويرفع من حالة عدم اليقين العالمي.

هذه الأجواء المشحونة تعزز جاذبية الذهب كأحد أهم الملاذات الآمنة، خاصة مع القلق بشأن الاستقرار طويل الأجل للقارة العجوز.

رؤى المحللين: طريق نحو الأعلى

ترى مورجان ستانلي أن الذهب يملك فسحة إضافية للصعود، مدفوعاً بتراجع محتمل في الدولار الأمريكي، زيادة مشتريات الصناديق المتداولة في البورصة، واستمرار عمليات شراء البنوك المركزية. اجتماع هذه العوامل قد يهيئ بيئة قوية للمسار الصعودي خلال الأشهر المقادمة.

بنك ING يتوقع ضغطاً هبوطياً تدريجياً على الدولار حتى عام 2026، خاصة مع ميل الفيدرالي نحو تيسير أكثر، وإقدام معظم البنوك المركزية الكبرى على خفض الفائدة بشكل متتالي.

بيتر جرانت، كبير استراتيجيي المعادن في زينر ميتالز، يؤكد أن الذهب مدعوم بأساسيات قوية جداً، وأن اقتراب الأسعار من 5,000 دولار للأونصة في الربع الأول من 2026 أصبح ضمن نطاق السيناريوهات الممكنة.

السيناريوهات المتوقعة

السيناريو الصعودي يبقى الأرجح طالما استقر الذهب فوق 4,170 دولار وتمكن من اختراق المقاومة عند 4,205 دولارات. في هذه الحالة، قد ينفتح الطريق نحو 4,240 دولاراً فـ 4,270 دولاراً، وهي المنطقة الحاسمة لتحديد قوة الاتجاه.

السيناريو الهابط يبدأ عند كسر 4,170 دولار مع إغلاق شمعتين متتاليتين أسفلها، حيث قد ينزلق السعر نحو منطقة الدعم المزدوجة (4,138.242 و4,116.496)، وكسرها قد يعني انعكاساً أعمق.

توقعات الذهب اليوم تشير إلى استمرار التطاحن بين دعم التيسير النقدي والضغط من ارتفاع العوائد - وهو صراع قد يبقي الأسعار في نطاق معين إلى حين إصدار قرار الفيدرالي.