مفارقة الثروة في عصر الذكاء الاصطناعي: لماذا تتباين تنبؤات المستقبل لموسك و هوانغ رونغشون بشكل كبير

في منتدى الاستثمار في السعودية في نوفمبر، قدم اثنان من عمالقة التكنولوجيا تقييمات مختلفة تمامًا حول آفاق العمل في عصر الذكاء الاصطناعي. يبدو أن هذه المناقشة تتعلق بمستقبل المهنة، لكنها في جوهرها تعكس قضية توزيع الثروة في التحول التكنولوجي.

نوعان متضادان من سرديات الذكاء الاصطناعي

حكم ماسك كان متفائلًا جدًا: خلال 10 إلى 20 سنة القادمة، ستقضي الذكاء الاصطناعي والروبوتات على الفقر، وسيتمكن الجميع من الحصول على احتياجاتهم المادية، وسيصبح العمل خيارًا — إذا أردت العمل فاعمل، وإذا لم ترغب فلا تعمل. استخدم تشبيه الزراعة في المنزل، على الرغم من أن شراء الخضروات الجاهزة أرخص، إلا أن الكثيرين يزرعونها بأنفسهم من أجل الاهتمام، ومستقبل نمط العمل سيكون كذلك.

على النقيض، قدم هوراسيو ريجني، المدير التنفيذي لشركة نفيديا، ردًا استدلاليًا: لم يفقد أطباء الأشعة وظائفهم بسبب الذكاء الاصطناعي، بل زادت طلبات التوظيف. السبب هو أن الذكاء الاصطناعي حسّن كفاءة التشخيص، بحيث يمكن للأطباء فحص المزيد من المرضى، والتعامل مع المزيد من الحالات، مما جعلهم أكثر انشغالًا وليس أقل. هذا الظاهرة تكشف عن مشكلة جوهرية — تحسين الكفاءة لم يجلب الترفيه، بل أدى إلى مزيد من العمل.

تحذيرات البيانات الواقعية

إحصائيات وزارة العمل الأمريكية لا تدعم التوقعات المتفائلة. في يناير، ارتفعت بطالة قطاع التكنولوجيا من 98,000 في ديسمبر الماضي إلى 152,000. وفقًا لاستطلاع قام به ResumeBuilder ل750 من أصحاب الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي، اعترف 37% أن تقنيات 2023 استبدلت وظائف مباشرة، و44% قالوا إنهم قاموا بتسريح عمال في 2024 بسبب زيادة كفاءة الذكاء الاصطناعي.

نموذج عمل المحامين، مطوري البرمجيات، والمصممين يعكس هذا الاتجاه. بعد أن استخدم المحامون الذكاء الاصطناعي لمراجعة المستندات، زاد حجم الحالات التي يتعاملون معها؛ المطورون يستخدمون الذكاء الاصطناعي للمساعدة في البرمجة، والمديرون يطلبون وظائف أكثر تطلبًا؛ المصممون يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنجاز ملصقات أسبوع واحد خلال عشر دقائق، بينما يواجهون طلبات من العملاء لتسليم عشرين إصدارًا في أسبوع. مع ارتفاع مؤشرات الكفاءة، أصبح العمل البشري أكثر كثافة.

مشكلة تدفق الثروة التكنولوجية

الافتراض الأساسي في منطق ماسك هو أن التقدم التكنولوجي سيؤدي بشكل طبيعي إلى توزيع الثروة بشكل متساوٍ. لكن التاريخ لم يدعم هذا الافتراض. خلال الثورة الصناعية، تنبأ الناس بأن الآلات ستتحرر الإنسان من العمل الشاق، لكن النتيجة كانت أن العمال كانوا يعملون 16 ساعة يوميًا؛ في عصر المعلومات، وعدوا بتقليل ساعات العمل من خلال العمل بدون ورق، لكن البريد الإلكتروني جعل الموظفين حول العالم في حالة استعداد على مدار 24 ساعة. التكنولوجيا حقًا خلقت ثروة هائلة، لكن هذه الثروة توجهت إلى من يسيطر على التكنولوجيا، وليس إلى العمال الذين تم استبدالهم.

كشف هوراسيو ريجني في المنتدى عن مجموعة من البيانات ذات دلالة رمزية: قبل ست سنوات، كانت 90% من أعلى 500 حاسوب فائق في العالم تعتمد على معمارية CPU، هذا العام انخفضت النسبة إلى 15%، وارتفعت الحوسبة المعتمدة على GPU من 10% إلى 90%. هذا يعكس إعادة تخصيص موارد حسابية تقدر بمئات المليارات من الدولارات، وملكية هذه الموارد وعوائدها تتركز في أيدي عدد قليل من الشركات.

التحول الجذري في طبيعة العمل

ملاحظة عميقة من هوراسيو ريجني هي أن الذكاء الاصطناعي لن يقضي على العمل، بل سيعيد صياغة معناه. لم يفقد أطباء الأشعة وظائفهم، لأن جوهر قيمتهم يكمن في التشخيص والتواصل مع المرضى، وليس في قراءة الصور بشكل ميكانيكي — فالذكاء الاصطناعي يتولى الجزء المعياري، بينما يحتفظ البشر بالوظائف التي تتطلب الحكم، والتعاطف، وتحمل المسؤولية.

ينطبق هذا المنطق أيضًا على مجالات أخرى. مع انتقال الذكاء الاصطناعي التوليدي من نمط CPU إلى بنية GPU، يتغير أساس حساب أنظمة التوصية. أشار هوراسيو إلى أن “عصر أنظمة التوصية” استمر خلال الخمسة عشر عامًا الماضية، حيث قادت الخوارزميات تدفق المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، والإعلانات، ومنطق التوصية. ومع تداخل هذه الأنظمة تدريجيًا مع إطار الذكاء الاصطناعي التوليدي، سيجد معظم الناس أنفسهم غير قادرين على الانفصال عن الأدوات — وملكية هذه الأدوات ستكون مسألة حاسمة.

خطة ماسك الكبرى والواقع الصعب

في المنتدى، أعلن ماسك وريجني أيضًا عن تعاون لبناء مركز بيانات ذكاء اصطناعي بقدرة 500 ميغاواط في الصحراء السعودية، بالتعاون بين xAI، ونفيديا، وشركة الذكاء الاصطناعي السعودية Humane، مع استثمار أولي بقوة 50 ميغاواط. في الوقت نفسه، أعلن ماسك أن تسلا ستنتج “روبوتات بشرية عملية حقيقية”، متوقعًا أن الطلب العالمي عليها سيصل إلى 100 إلى 200 مليار وحدة، وأن تسلا تهدف إلى إنتاج 1 مليار وحدة سنويًا، مع حصة سوقية تزيد على 10%، وتكلفة إنتاج تبلغ 10,000 دولار، وسعر بيع 20,000 دولار. بناءً على ذلك، يُقدر أن يكون حجم الصناعة بين 25 و30 تريليون دولار.

حتى أنه تنبأ أن أرخص وسيلة حساب في الذكاء الاصطناعي خلال خمس سنوات ستكون الأقمار الصناعية الشمسية في الفضاء — لأن الإشعاع الشمسي الذي تتلقاه الأرض يمثل واحدًا من 20 مليار من إشعاع الشمس الكلي. لكن في الواقع، يبلغ إنتاج الولايات المتحدة من الكهرباء حوالي 460 جيغاواط سنويًا، وإذا احتاج الذكاء الاصطناعي إلى 300 جيغاواط، فسيشغل ثلثي إنتاج الكهرباء في البلاد، ولن تتمكن الأرض من بناء محطات طاقة كافية. عوائد هذه الاستثمارات الضخمة ستتجه حتمًا إلى من يسيطر على القدرة الحاسوبية، والنماذج، والمنصات. أما العمال العاديون الذين يرفعون الكفاءة بفضل الذكاء الاصطناعي، فسيكونون أضعف في التفاوض أكثر.

معضلة الندرة الأبدية

ادعى ماسك أن المستقبل لن يكون مهمًا للمال، بشرط أن تكون الموارد غنية جدًا. لكن حتى لو خفض الذكاء الاصطناعي تكاليف الإنتاج إلى الصفر تقريبًا، فإن الندرة لن تتلاشى أبدًا — فالأراضي محدودة، ومعدل التجزئة محدود، والانتباه محدود، والسلطة محدودة.

لم تتوقف المنافسة البشرية أبدًا على مجرد تلبية الاحتياجات الأساسية، بل كانت دائمًا من أجل التفوق على الآخرين. إذا استطاع الجميع استخدام الذكاء الاصطناعي لكتابة الأبحاث، هل سترتفع معدلات القبول في الجامعات المرموقة؟ إذا استطاع الجميع بدء مشاريع باستخدام الذكاء الاصطناعي، هل ستتصاعد المنافسة على السوق؟ إذا أنتجت تسلا 10 مليارات روبوت سنويًا بسعر 20,000 دولار، فكل روبوت يحتاج إلى قدرة شرائية بقيمة 20,000 دولار. من يستطيع شراء أول روبوت؟ ومن يستطيع شراء عشرة آلاف روبوت؟

الخيال الذي يصوره ماسك عن مستقبل الرفاهية للجميع، يفترض القضاء على المنافسة ذاتها — وهو أمر لم يحدث في تاريخ البشرية أبدًا.

إعادة تشكيل السلطة في عصر الذكاء الاصطناعي

الدرس الأساسي من هذا المنتدى هو أن المستفيدين والمستخدمين للذكاء الاصطناعي ليسوا نفس المجموعة. المناقشات حول مراكز البيانات في الصحراء، والأقمار الصناعية، والبنى التحتية التي تقدر بمئات المليارات، تعود بالنفع على القلة التي تسيطر على القدرة الحاسوبية والمنصات.

اعترف ماسك نفسه بأنه أصبح أكثر انشغالًا بسبب الذكاء الاصطناعي — لأن أفكار دماغه لا تنتهي. شخص يسيطر على القدرة الحاسوبية، والنماذج، والمنصات، يختلف تمامًا عن شخص يستخدم الأدوات فقط، في فهم “العمل خيار”.

توقع صندوق النقد الدولي أن يؤثر الذكاء الاصطناعي على حوالي 40% من الوظائف العالمية، وأن تتغير 70% من المهارات المهنية، مع تأثير أكبر على الدول المتقدمة، قد يصل إلى 60%. التكنولوجيا لا تجلب دائمًا المساواة تلقائيًا، بل تعزز الهياكل السلطوية القائمة. مستقبل الذكاء الاصطناعي ليس القضاء على العمل، بل نقل سلطة تحديد معنى العمل.

بالعودة إلى جوهر الحوار في المنتدى: ماسك يصور مشهد قمة الهرم، وريجني يصف واقع جسم الهرم. لا يتناقضان، فقط يختلفان في الموقع. لن يختفي العمل في المستقبل، لكنه سيصبح أكثر تفتتًا، وأقل استقرارًا، وأكثر اضطرارًا من أجل البقاء. بالنسبة للقلة التي تسيطر على التكنولوجيا، سيصبح العمل مجرد هواية؛ أما بالنسبة لمعظم الناس، فسيجعل الذكاء الاصطناعي العمل ثمنًا ضروريًا للبقاء على قيد الحياة.

شاهد النسخة الأصلية
قد تحتوي هذه الصفحة على محتوى من جهات خارجية، يتم تقديمه لأغراض إعلامية فقط (وليس كإقرارات/ضمانات)، ولا ينبغي اعتباره موافقة على آرائه من قبل Gate، ولا بمثابة نصيحة مالية أو مهنية. انظر إلى إخلاء المسؤولية للحصول على التفاصيل.
  • أعجبني
  • تعليق
  • إعادة النشر
  • مشاركة
تعليق
0/400
لا توجد تعليقات
  • تثبيت